فصل: ذكر مقتل الملك الناصر يوسف

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ أبي الفداء **


  ذكر مقتل الملك الناصر يوسف

وفي هذه السنة ورد الخبر بمقتل الملك الناصر يوسف ابن الملك العزيز محمد ابن الملك الظاهر غازي ابن السلطان الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب وعقد عزاه بجامع دمشق في سابـع جمـادى الأولـى مـن هـذه السنـة أعنـي سنـة تسـع وخمسيـن وستمائـة وصـورة الحال في قتله أنه لمـا وصـل إلـى هولاكـو على ما قدمنا ذكره وعده برده إلى ملكه وأقام عند هولاكو مدة فلما بلغ هولاكو كسرة عسكره بعين جالوت وقتل كتبغا ثم كسرة عسكره على حمص ثانياً غضب من ذلك وأحضر الملك الناصر المذكور وأخاه الملك الظاهر غازي وقال له‏:‏ أنت قلت أن عسكر الشام في طاعتك فغدرت بي وقتلت المغل‏.‏

فقال الملك الناصر‏:‏ لو كنت بالشام ما ضرب أحـد فـي وجه عسكرك بالسيف ومن يكون ببلاد توريز كيف يحكم على بلاد الشام فاستوفي هولاكو لعنه الله ناصجاً وضربه به‏.‏

فقال الملك الناصر‏:‏ يا خوند الصنيعة فنهاه أخوه الظاهر وقال‏:‏ قد حضرت ثم رماه بفرده ثانية فقتله ثم أمر بضرب رقاب الباقين فقتلوا الظاهر أخا الملك الناصر والملك الصالح ابن صاحب حمص والجماعة الذيـن كانـوا معهـم واستبقـوا الملـك العزيز ابن الملك الناصر لأنه كان صغيراً فبقي عندهم مدة طويلة وأحسنوا إليه ثم مات وكان قد تولى الملك الناصر المذكور مملكة حلب بعد موت أبيه العزيز وعمره سبع سنين وأقامت جدتـه ضيفـة خاتـون بنـت الملـك العـادل بتدبيـر مملكته واستقل بالملك بعد وفاتها في سنة أربعين وستمائة وعمره ثلاث عشرة سنـة وزاد ملكـه علـى ملـك أبيـه وجـده فإنـه ملـك مثـل حـران والرهـا والرقـة ورأس عيـن ومـا مـع ذلـك مـن البلـاد وملـك حمص ثم ملك دمشق وبعلبك والأغوار والسواحل إلى غزة وعظم شأنه وكسر عساكر مصر وخطب له بمصر وبقلعة الجبل على الوجه الذي تقدم ذكره وكان قد غلب على الديار المصرية لو لا هزيمته وقتل مدبر دولته شمس الدين لؤلؤ الأرمني ومخامرة مماليك أبيه العزيزية وكان يذبح في مطبخه كل يوم أربعمائة رأس غنم وكانت سماطاته وتجمله في الغاية القصوى وكان حليماً وتجاوز به الحلم إلى حد أضر بالمملكة فإنه لما أمنت قطاع الطريق في أيام مملكته من القتل والقطع تجاوزوا الحد في الفساد بالمملكة وانقطعت الطرق في أيامه وبقي لا يقدر المسافر على السفر من دمشق إلى حماة وغيرها الا برفقة من العسكر وكثر طمع العرب والتركمان في أيامه وكثرت الحرامية وكانوا يكبسون الدور ومع ذلك إذا أحضر القاتل إلى بين يدي الملك الناصر المذكور يقول‏:‏ الحي خير من الميت ويطلقه فـأدى ذلـك إلـى انقطـاع الطرقـات وانتشـار الحراميـة والمفسديـن وكـان علـى ذهن الناصر المذكور شيء كثير من الأدب والشعر ويروى له أشعار كثيرة منها‏:‏ فوالله لو قطعـت قلبـي تأسفـاً وجرعتني كاسات دمعي دماً صرفا لما زادني إلا هوى ومحبة ولا اتخذت روحي سواك لها إلفا وبنـى بدمشق مدرسة قريب الجامع تعرف بالناصرية ووقف عليها وقفاً جليلاً وبني بالصالحية تربة غرم عليها جملاً مستكثرة فدفن فيها كرمون وهو بعض أمراء التتر وكانت منية الملك الناصر ببلاد العجم وكان مولد الناصر المذكور في سنة سبع وعشرين وستمائة فيكون عمره اثنتين وثلاثين سنة تقريباً‏.‏

ذكر مبايعة شخص بالخلافة وإثبات نسبه وفـي هذه السنة في رجب قدم إلى مصر جماعة من العرب ومعهم شخص أسود اللون اسمه أحمد زعموا أنه ابن الإمام الظاهر بالله محمد ابن الإمام الناصر وأنه خـرج مـن دار الخلافـة ببغداد لما ملكها التتر فعقد الملك الظاهر بيبرس مجلساً حضر فيه جماعة من الأكابر منهم الشيخ عز الدين عبد العزيز بن عبـد السلـام والقاضـي تـاج الديـن عبـد الوهـاب بـن خلـف المعروف بابن بنت الأعز فشهد أولئك العرب أن هذا الشخص المذكور هو ابن الظاهر محمد ابن الإمام الناصر فيكون عم المستعصم وأقام القاضي جماعـة مـن الشهـود اجتمعـوا بأولئـك العرب وسمعوا شهاداتهم ثم شهـدوا بالنسـب بحكـم الاستفاضـة فأثبـت القاضـي تـاج الديـن نسب أحمد المذكور ولقب المستنصر بالله أبا القاسـم أحمـد ابـن الظاهـر باللـه محمـد وبايعـه الملك الظاهر والناس بالخلافة واهتم الملك الظاهر بأمره وعمل له الدهاليز والجمدارية وآلات الخلافـة واستخدم له عسكراً وغرم على تجهيزه جملاً طائلة‏.‏

قيل إن قدر ما غرمه عليه ألف ألف دينار وكانت العامة تلقب الخليفة المذكور بالزرابيني وبرز الملك الظاهر والخليفة الأسود المذكـور فـي رمضـان مـن هذه السنة وتوجها إلى دمشق وكان في كل منزلة يمضي الملك الظاهر الى دهليزه الخاص به ولما وصلا إلى دمشق نزل الملك الظاهر بالقلعة ونزل الخليفة في جبل الصالحية ونزل حول الخليفة أمراؤه وأجناده‏.‏

ثم جهز الخليفة عسكره إلى جهة بغداد طمعاً في أنه يستولي على بغداد ويجتمع عليه الناس فسار الخليفة الأسود بعسكره من دمشق وركب الملـك الظاهـر وودعـه ووصـاه بالتأنـي فـي الأمـور ثـم عـاد الملـك الظاهـر إلـى دمشـق مـن توديـع الخليفـة ثم سار إلى الديار المصرية ودخلها في سابع عشر ذي الحجة من هذه السنـة ووصلـت إليـه كتـب الخليفـة بالديـار المصريـة أنـه قـد استولى على عانة والحديثة وولى عليهما وأن كتب أهل العراق وصلت إليه يستحثونه على الوصول إليهم ثم قبل أن يصل إلى بغداد وصلت إليه التتر وقتلوا الخليفة المذكور وقتلوا غالب أصحابه ونهبوا ما كان معه وجاءت الأخبار بذلك‏.‏

ذكر غير ذلك من الحوادث في هذه السنة لما سار الملك الظاهر إلى الشام أمر القاضي شمس الدين ابن خلكان فسافر في صحبته من مصر إلى الشام فعزل عن قضاء دمشق نجم الدين ابن صدر الدين بن سنا الدولة وكان قطز قد عزل المحي ابن الزكي الذي ولاه هولاكو القضاء وولى ابن سنا الدولة فعزله الملك الظاهر في هذه السنة وولى القضاء شمس الدين بن خلكان‏.‏

وفيها قدم أولاد صاحب الموصل وهم الملك الصالح إسماعيل ثم أخوه الملك المجاهد إسحاق صاحب جزيرة ابن عمر ثم أخوهما الملك المظفر علي صاحب سنجار أولاد لؤلؤ فأحسن الملـك الظاهر إليهم وأعطاهم الإقطاعات الجليلة بالديار المصرية واستمروا في أرغد عيش في طول مدة الملك الظاهر‏.‏

وفيها في ربيع الآخر وردت الأخبار من ناحية عكا أن سبع جزائر في البحر خسف بها وبأهلها وبقي أهل عكا لابسين السواد وهم يبكون ويستغفرون من الذنوب بزعمهم‏.‏

وفيها جهز الملك الظاهر بيبرس بدر الدين الأيدمري فتسلم الشوبك في سلخ ذي الحجة من هذه السنة أعني سنة تسع وخمسين وستمائة وأخذها من الملك المغيث صاحب الكرك‏.‏

  ثم دخلت سنة ستين وستمائة

في هذه السنة في نصف رجب وردت جماعة من مماليك الخليفة المستعصم البغاددة وكانوا قد تأخروا في العراق بعد استيلاء التتر على بغداد وقتل الخليفة وكان مقدمهم يقال له شمس الدين سلار فأحسن الملك الظاهر بيبرس ملتقاهم وعين لهم الإقطاعات بالديار المصرية‏.‏

وفيها في رجب أيضاً وصل إلى خدمة الملك الظاهر بيبرس بالديار المصرية عماد الدين بن مظفر الدين صاحب صهيون رسولاً من أخيه سيف الدين صاحب صهيون وصحبته هدية جليلة فقبلها الملك الظاهر وأحسن إليه‏.‏

وفيها جهز الملك الظاهر عسكراً إلى حلب وكان مقدمهم شمس الدين سنقر الرومي فأمنت بلـاد حلـب وعـادت إلـى الصلـاح ثـم تقـدم الملـك الظاهـر بيبـرس إلى سنقر الرومي إلى صاحب حماة الملك المنصور وإلى صاحب حمص الملك الأشرف موسـى أن يسيـروا إلـى أنطاكيـة وبلادهـا للإغارة عليهـا فسـاروا إليهـا ونهبـوا بلادهـا وضايقوهـا ثـم عـادوا فتوجهـت العساكـر المصريـة صحبة سنقر الرومي إلى مصر ووصلوا إليها في تاسع عشرين رمضان من هذه السنة ومعهم ما ينوف عن ثلاثمائة أسير فقابلهم الملك الظاهر بالأحسان والإنعام‏.‏

وفيهـا لمـا ضاقـت علـى أقوش البرلي البلاد وأخذت منه حلب ولم يبق بيده غير البيرة دخل في طاعـه الملـك الظاهـر وسـار إليـه فكتب الملك الظاهر إلى النواب بالإحسان إليه وترتيب الإقامات لـه فـي الطرقـات حتـى وصل إلى الديار المصرية في ثاني ذي الحجة من هذه السنة أعنب سنة ستيـن فتلقـاه الملك الظاهر وبالغ في الإحسان إليه وأكثر له العطاء فسأله أقوش البرلي من الملك الظاهر أن يقبـل منـه البيـرة فلـم يفعـل ومـا زال يعـاوده حتـى قبلهـا وبقـي أقـوش البرلـي العزيـز المذكور مع الملك المظاهر إلى أن تغير عليه وقبضه في رجب سنة إحدى وستين وستمائة فكان آخر العهد به‏.‏

وفيها في ذي القعدة قبض الملك الظاهر على نائبه بدمشق وهو علاء الدين طيبرس الوزيري وكان قد تولى دمشق بعد مسير علاء الدين أيدكين البندقدار عنها وسبب القبض عليه أنه بلغ الملك الظاهر عنه أمور كرهها فأرسل إليه عسكراً مع عز الدين الدمياطـي وغيـره مـن الأمراء لما وصلوا إلى دمشق خرج طيبرس لتلقيهم فقبضوا عليه وقيدوه وأرسلوه إلى مصر فحبسـه الملـك الظاهـر واستمـر الحـاج طيبرس في الحبس سنة وشهراً وكانت مدة ولايته بدمشق سنة وشهراً أيضاً وكان طيبرس المذكور رديء السيرة في أهل دمشق حتى نزح عنها جماعة كثيـرة مـن ظلمـه وحكـم فـي دمشـق بعـد قبض طيبرس المذكور علاء الدين أيدغدي الحاج الركني ثم استناب الملك الظاهر على دمشق الأمير جمال الدين أقوش النجيبي الصالحي‏.‏

وفيها في يوم الخميس في أواخر ذي الحجة من هذه السنة أعني سنة ستين وستمائة جلس الملك الظاهر مجلساً عاماً وأحضر شخصاً كان مد قدم إلى الديار المصرية في سنة تسع وخمسين وستمائة من نسـل بنـي العبـاس يسمـى أحمـد بعـد أن أثبـت نسبـه وبايعـه بالخلافـة ولقب أحمد المذكور الحاكم بأمر الله أمير المؤمنين وقد اختلف في نسبه فالذي هو مشهور بمصر عنـد نسابـة مصـر أنـه أحمـد بـن حسـن بـن أبـي بكـر ابـن الأميـر أبـي علـي القبـى ابـن الأميـر حسـن ابن الراشد ابن المسترشد ابن المستظهر وقد مر نسب المستظهر مع جملة خلفاء بني العباس وأما عنـد الشرفـاء العباسييـن السلمانييـن فـي درج نسبهـم الثابـت فقالـوا‏:‏ هـو أحمـد بـن أبـي بكـر علـي بن أبي بكر أحمد ابن الإمام المسترشد الفضل ابن المستظهر‏.‏

ولما أثبت الملك الظاهر نسب المذكور نزله في برج محترزاً عليه وأشرك له الدعاء في الخطبة لا غير ذلك‏.‏

وفيهـا جهز الملك المنصور صاحب حماة شيخ الشيوخ شرف الدين الأنصاري رسولاً إلى الملك الظاهر ووصل شيخ الشيوخ المذكور فوجد الملك الظاهر عاتباً على صاحب حماة لاشتغاله عن مصالح المسلمين باللهو وأنكـر الملـك الظاهـر علـى الشيـخ شـرف الديـن ذلـك ثـم انصلـح خاطره وحمله ما طيب به قلب صاحبه الملك المنصور ثم عاد إلى حماة‏.‏

وفيها توفي الشيخ عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام الدمشقي الإمام في مذهب الشافعي وله مصنفات جليلة في المذهب وكانت وفاته بمصر رحمه الله تعالى‏.‏

وفيها في ذي الحجة توفي الصاحب كمال الدين عمر بن عبد العزيز المعـروف بابـن العديـم انتهت إليه رئاسة أصحاب أبي حنيفة وكان فاضلاً كبير القدر ألف تاريخ حلب وغيره من المصنفـات وكـان قـد قـدم إلى مصر لما جفل الناس من التتر ثم عاد بعد خراب حلب إليها فلما نظر ما فعله التتر من خراب حلب وقتل أهلها بعد تلك العمارة قال في ذلك قصيدة طويلة منها‏:‏ هو الدهر ما تبنيه كفاك يهدم وإن رمت إنصافاً لديه فتظلم أباد ملوك الفرس جمعاً وقيصراً وأصمت لدى فرسانها منه أسهم وأفنى بني أيوب مع كثر جمعهم وما منهم إلا مليك معظم وملك بني العباس زال ولم يدع لهم أثراً مـن بعدهـم وهـم هـم وعن حلب ما شئت قل من عجائب أحل بها يا صاح إن كنت تعلم ومنها‏:‏ فيا لك مـن يـوم شديـد لغامـه قد أصبحت فيه المساجد تهدم وقد درست تلك المدارس وارتمت مصاحفها فوق الثرى وهي ضخم وهي طويلة وآخرها‏:‏ ولكنما لله في ذا مشيئـة فيفعـل فينـا مـا يشـاء ويحكم

  ثم دخلت سنة إحدى وستين وستمائة

ذكر مسير الملك الظاهر إلى الشام في هذه السنة في حادي عشر ربيع الآخر سار الملك الظاهر بيبرس من الديار المصرية إلى الشام فلاقته والدة الملك المغيث عمر صاحب الكرك بغزة وتوثقت لابنها الملك المغيـث مـن الملـك الظاهـر بالأمـان وأحسـن إليهـا ثـم توجهـت إلـى الكـرك وتوجـه صحبتهـا شـرف الدين الجاكي المهمندار يرسم حمل الإقامات إلى الطرقات برسم الملك المغيث ثم سار الملك الظاهر مـن غـزة ووصـل إلـى الطـور فـي ثانـي عشر جمادى الأولى من هذه السنة ووصل إليه على الطور ذكر حضور الملك المغيث صاحب الكرك وقتله واستيلاء الملك الظاهر بيبرس على الكرك‏:‏ وفي هذه السنة كان مقتل الملك المغيث فتح الدين عمر ابن الملك العادل أبي بكر ابن الملك الكامـل محمـد ابـن الملـك العادل أبي بكر بن أيوب صاحب الكرك وسببه أنه كان في قلب الملك الظاهر بيبرس منه غيظ عظيم لأمور كانت بينهما قيل إن المغيث المذكور أكره امرأة الملـك الظاهر بيبرس لما قبض المغيث على البحرية‏.‏

وأرسلهم إلى الناصر يوسف صاحب دمشق وهرب الملك الظاهر بيبرس المذكور وبقيت امرأته في الكرك والله أعلم بحقيقة ذلك وكان من حديـث مقتلـه أن الملـك الظاهـر بيبـرس مـازال يجتهـد علـى حضـور المغيـث المذكـور وحلف لوالدته على غزة كما تقدم ذكره وكان عند المغيث شخص يسمى الأمجد وكان يبعثـه فـي الرسالة إلى الملك الظاهر فكان الظاهر يبالغ في إكرامه وتقريبه فاغتر الأمجد بذلك وما زال على مخدومه الملك المغيث حتى أحضره إلى الملك الظاهر‏.‏

حكى لي شرف الدين بن مزهر وكان ابن مزهر المذكور ناظر خزانة المغيث‏.‏

قال‏:‏ لما عزم المغيث على التوجه إلى خدمة الملك الظاهر لم يكن قد بقي بخزانته شيء من المال ولا القماش وكان لوالدته حواصل بالبلاد فبعناها بأربعة وعشرين ألـف درهـم واشترينـا باثنـي عشـر ألـف درهـم خلعـاً مـن دمشـق وجعلنـا فـي صناديق الخزانة الاثني عشر الألف الأخرى ونزل المغيث من الكرك وأنا والأمجد وجماعة من أصحابه معه في خدمته‏.‏

قال‏:‏ وشرعت البريدية تصل إلى الملك المغيث في كـل يـوم بمكاتبـات الملـك الظاهـر ويرسـل صحبتهم مثل غزلان ونحوها والمغيث يخلع عليهم حتى نفد ما كان بالخزنة من الخلع ومن جملة ما كتب إليه في بعض المكاتبات المملوك ينشد في قدوم مولانا‏:‏ خليلي هل أبصرتما أو سمعتما بأكرم من مولى تمشى إلى عبـد قال‏:‏ وكان الخوف في قلب المغيث شديداً من الملك الظاهر‏.‏

قال ابن مزهر المذكور‏:‏ ففاتحني في شيء من ذلك بالليل‏.‏

فقلت له‏:‏ احلف إلي أنك لا تقول للأمجد ما أقوله لك حتى أنصحك فحلف لي‏.‏

فقلت له‏:‏ اخرج الساعة من تحت الخام واركب حجرتك النجيلة ولا يصبـح لـك الصبـاح إلا وأنت قد وصلت إلى الكرك فتعصى فيه ولا تفكر بأحد‏.‏

وقال ابن مزهر‏:‏ فغافلني وتحدث مع الأمجد في شيء من ذلك‏.‏

فقال له الأمجد‏:‏ هذا رأى ابن مزهر إياك من ذلك‏.‏

وسار المغيث حتى وصل إلى بيسان فركب الملك الظاهر بعساكره والتقاه في يوم السبـت السابع والعشرين من جمادى الأولى من هذه السنة فلما شاهد المغيث الملك الظاهـر ترجـل فمنعـه الملك الظاهر وأركبه وساق إلى جانبه وقد تغير وجه الملك الظاهر فلما قارب الدهليز أفـرد الملـك المغيـث عنـه وأنزلـه فـي خيمة وقبض عليه وأرسله معتقلاً إلى مصر فكان آخر العهد به‏.‏

قيل أنه حمل إلى امرأة الملك الظاهر بيبرس بقلعة الجبل فأمرت جواريها فقتلته بالقباقيب ثم قبض الملك الظاهر على جميع أصحاب المغيث ومن جملتهم ابن مزهر المذكور ثم بعد ذلك أفرج عنهم انتهى كلام ابن مزهر‏.‏

ولما التقى الملـك الظاهـر ببيـرس الملـك المغيـث المذكـور وقبـض عليـه أحضـر الفقهـاء والقضـاة وأوقفهـم علـى مكاتبـات مـن التتـر إلـى الملـك المغيـث أجوبة عن ما كتب إليهم به في أطماعهم في ملك مصر والشام وكتب بذلك مشروح وأثبت على الحكام وكان للملك المغيث المذكور ولداً يقال له الملك العزيـز أعطـاه الملـك الظاهـر إقطاعـاً بديـار مصـر وأحسـن إليـه ثـم جهـز الملـك الظاهر بدر الدين البيسري الشمسي وعز الدين أستاذ الدار إلى الكرك فتسلماها في يوم الخميـس الثالث والعشرين من جمادى الآخرة من هذه السنة أعني سنة إحدى وستين وستمائة ثم سار الملك الظاهر ووصل إلى الكرك ورتب أمورها ثم عاد إلى الديار المصرية فوصل إليها في سابع عشر رجب من هذه السنة‏.‏

ذكر الإغارة على عكا وغيرها وفي هذه السنة لما كان الملك الظاهر نازلاً على الطور أرسل عسكراً هدموا كنيسة الناصرة وهي من أكبر مواطن عبادات النصارى لأن منهـا خـرج ديـن النصرانيـة وأغـاروا علـى عكـا وبلادها فغنموا وعادوا ثم ركب الملك الظاهر بنفسه وجماعة اختارهـم وأغـار ثانيـاً علـى

عكا وبلادها وهدم برجـاً كـان خـارج البلـد وذلـك عقيـب إغـارة عسكـره وهـدم الكنيسـة الناصرة‏.‏

ذكر القبض على من يذكر وفيها بعد وصول الملك الظاهر بيبرس إلى مصر واستقراره في ملكه في رجب قبض على الرشيدي ثم قبض في ثاني يوم على الدمياطي والبرلي وقد تقدمت أخبار البرلي المذكور‏.‏

ذكر وفاة الأشرف صاحب حمص وفـي هـذه السنـة بعـد عـود الملـك الأشرف صاحب حمص موسى ابن الملك المنصور إبراهيم ابن الملك المجاهد شيركوه بن ناصر الدين محمد بن شيركوه بن شاذي مـن خدمـة الملـك الظاهـر بيبرس إلى حمص مرض واشتد به المرض وتوفي إلى رحمة الله تعالى وأرسل الملك الظاهر وتسلم حمص في ذي القعدة من هذه السنة أعني سنة إحدى وستين وستمائة وهذا الملك الأشـرف موسـى هـو آخـر من ملك حمص من بيت شيركوه وقد تقدمت أخبار الأشرف موسى المذكور وأخذ الملك الناصر يوسف صاحب حلب منه حمص بسبب تسليمه شميميس للملك الصالح أيوب صاحب مصر وأنه يعوض عن حمص تل باشر ثم أعـاد هولاكـو عليـه حمـص فبقيت في يـده حتـى توفـي فـي أواخـر هـذه السنـة وانتقلـت حمـص إلـى مملكـة الملـك الظاهـر بيبـرس فـي ذي القعـدة حسبمـا ذكـره وكـان جملـة مـن ملـك حمـص منهـم خمسـة ملـوك أولهـم شيركـوه بن شاذي ملكه إياها نور الدين الشهيد ثم ملكها من بعده ابنه ناصر الدين محمد بن شيركوه ثم ملكهـا بعـده ابنه شيركوه بن محمد وتلقب بالملك المجاهد ثم ملكها بعده ابنه إبراهيم بن شيركوه وتلقـب بالملـك المنصـور ثـم ملكهـا بعـده ابنـه موسـى بـن إبراهيم وتلقب بالملك الأشرف حتى توفي هذه السنة وانقرض بموته ملك المذكورين‏.‏

  ثم دخلت سنة اثنتين وستمائة

في هذه السنة قبض الأشكري صاحب قسطنطينية على عز الدين كيكاؤوس بن كيخسرو بن كيقباذ صاحب بلد الـروم وسببـه أن عـز الديـن كيكـاؤوس المذكور كان قد وقع بينه وبين أخيه فاستظهر أخوه علية فهرب كيكاؤوس وبقي أخوه ركن الديـن قليـج أرسلان في سلطنة بلاد الروم ثم سار كيكاؤوس المذكور إلى قسطنطينية فأحسن إليه الأشكري صاحب قسطنطينية‏.‏

وإلى من معه من الأمراء واستمروا كذلك مدة فعزمت الأمراء والجماعة الذين كانوا مع عز الدين المذكور على اغتيال الأشكري وقتله والتغلب على قسطنطينية وبلغ ذلك الأشكري فقبض عليهم واعتقل عز الدين كيكاؤوس ابن كيخسرو في بعض القلاع وكحل الأمراء والجماعة الذين كانوا عزموا على ذلك فأعمى عيونهم وقد تقـدم ذكر كيكاؤوس المذكور وأخيه قليج أرسلان في سنة ثمان وثمانين وخمسمائة‏.‏

وفيهـا فـي ثامـن رمضـان توفـي الشيـخ شـرف الديـن عبـد العزيـز بـن محمد بن عبد المحسن الأنصاري المعـروف بشيـخ الشيـوخ بحمـاة وكان مولده في جمادى الأولى سنة ست وثمانين وخمسمائة رحمه الله تعالى‏.‏

وكان ديناً فاضلاً متقدماً عند الملوك وله النثر البديع والنظم الفائق وكان غزيـر العقل عارفاً بتدبير المملكة فمن حسن تدبيره‏.‏

أن الملك الأفضل علي ابن الملك المظفر محمود لما ماتت والدته غازية خاتون بنت الملك الكامل رحمهما الله تعالى حصل عند الملك الأفضل المذكور استشعار من أخيه الملك المنصور محمد صاحب حماة فعزم على أن ينتزح من حماة ويفارق أخاه الملك المنصور وأذن له أخوه الملك المنصور في ذلك فاجتمع الشيخ شرف الدين المذكور بالملك الأفضل وعرفه ما تعمده من السلوك مع أخيه الملك المنصور ثم اجتمع بالملك المنصور وقبح عنده مفارقة أخيه وما برح بينهما حتى أزال ما كان في خواطرهما وصار للملـك الأفضـل فـي خاطـر أخيـه الملك المنصور من المحبة والمكانة ما يفوق الوصف وكان ذلك من بركة شرف الدين المذكور وللشيخ شرف الدين المذكور أشعار فائقة قد تقدم ذكر بعضهـا وكان مرة مع الملك الناصر يوسف صاحب الشام بعمان فعمل الشيخ شرف الدين‏.‏

أفدي حبيباً منذ واجهته عـن وجه بدر التم أغناني في وجهه خالان لولاهما ما بت مفتوناً بعمان وأنشدهما للملك الناصر فأعجبته إلى الغاية وجعل يردد إنشادهما وقال لكاتبه كمـال الديـن بن العجمي هكذا تكون الفضيلة فقال ابن العجمي أن التورية لا تخدم هنا لأن عمان مجرورة في النظم فلا تخدمه في التورية فقال الملك الناصر للشيخ شرف الدين ما قاله فقال شرف الديـن إن هـذا جائـز وهـو أن يكـون المثنـى فـي حالـة الجر على صورة الرفع واستشهد شرف الدين بقول الشاعر‏:‏ فأطرق إطراق الشجاع ولو رأى مساغاً لناباه الشجـاع لصممـا واستشهد بغير ذلك فتحقق الملك الناصر فضيلته‏.‏

  ذكر فتوح قيسارية

في هذه السنة سار الملك الظاهر بيبرس من الديار المصرية بعساكره المتوافرة إلى جهاد الفرنج بالساحل ونازل قيسارية الشام في تاسع جمادى الأولى وضايقها وفتحها بعد ستة أيام من نزوله وذلك في منتصف الشهر المذكـور وأمـر بهـا فهدمـت ثـم سـار إلـى أرسـوف ونازلهـا وفتحها في جمادى الآخرة في هذه السنة‏.‏

  ذكر موت هولاكو

فـي هـذه السنـة فـي تاسـع عشـر ربيـع الآخـر مـات هولاكـو ملك التتر لعنه الله تعالى‏.‏

وهو هولاكو بن طلو بن جنكزخان وكانت وفاته بالقرب من كورة مراغـة وكانـت مـدة ملكـه البلـاد التـي سنصفهـا نحو عشر سنين وخلف خمسة عشر ولداً ذكراً ولما مات جلس في الملك بعده ولده أبغا بن هولاكو واستقرت له البلاد التي كانت بيد والده حال وفاته وهي‏:‏ إقليم خراسـان وكرسيه نيسابور وإقليم عراق العجم وهو الذي يعرف ببلاد الجبل وكرسيه أصفهان وإقليم عراق العرب وكرسيه بغداد وإقليم أذربيجان وكرسيه تبريز وإقليم خورستان وكرسيه تستر التي تسميها العامة تشتر وإقليم فارس وكرسيه شيراز وإقليـم ديـار بكـر وكرسيـه الموصـل وإقليم الروم وكرسيه قونية وغير ذلك من البلاد التي ليست في الشهرة‏.‏

مثل هذه الأقاليم العظيمة‏.‏

ذكر غير ذلك من الحوادث‏:‏ في هذه السنة أو التي بعدها أمسك الملك الظاهر بيبرس زامل بن علي أميـر العـرب بمكاتبة عيسى بن مهنا في حقه‏.‏

وفيها في رمضان استولى النائب بالرحبة على قرقيسيـا وهـي حصـن الزبـاء التـي تقـدم خبرهـا مـع جذيمة الأبرش في أوائل الكتاب وفيه خلاف‏.‏

وفيهـا قبـض الملـك الظاهـر بيبـرس علـى سنقـر الرومـي‏.‏

وفيهـا توفـي قاضـي القضاة بمصر بدر الدين يوسف بن حسن علي السنجاري‏.‏

  ثم دخلت سنة أربع وستين وستمائة

  ذكر فتوح صفد وغيرها

في هذه السنة خرج الملك الظاهر بعساكره المتوافرة من الديار المصرية وسـار الشـام وجهـز عسكراً إلى ساحل طرابلس ففتحوا القليعات وحلباً وعرقاً ونزل الملك الظاهـر علـى صفـد ثامن شعبان وضايقهـا بالزحـف وآلـات الحصـار وقـدم إليـه وهـو علـى صفـد الملـك المنصـور

صاحب حماة ولاصق الجند القلعة وكثر القتل والجراح في المسلمين وفتحها في تاسع عشر شعبان المذكور بالأمان ثم قتل أهلها عن آخرهم‏.‏